أدب وفن

خطوة في الفراغ

يمنات

زاهر الأسعد ـ فلسطين

عند أول خيط من الفجر  

حين تفتح النافذة وجهها على وجهك  

طائرٌ يمر باسمك ثم يختفي  

تستيقظُ رائحةُ اسمك من صمت الليل  

تصعد مع النورِ كنداء يوقظ القلب  

لا تأتي كلحظة عابرة  

ولا كحلم سريع  

بل كشرارةٍ أولى  

في طريق يستدعيك

 

تجلس أمام مراياك  

تلمس الغربة خيطًا يربطك بصوتك القديم  

ذلك الصوت يهمس كنسمة على حافة نافذة  

يبحث عن أذن تفك عقدته وتعيده إلى الكلام  

المرآة لا تعكسك وحدك  

بل شرخٌ يفتح نافذة على وجود آخر  

الزجاج يتنفس ريحًا غريبة  

ويترك في داخلك صدىً كصوت بعيد لا يزول

 

تتهيأ لتخرج من البيت  

لا يكون الطريق مجرد مسافة إلى حاجة عابرة  

بل امتداد لذاتك أثرًا يضيء داخلك  

حجرٌ يهمس باسمك  

والسعي إلى أبسط الحاجات يكشف عن معنى أبعد  

فالحركة ليست خروجًا من جدران البيت  

بل دخول إلى فضاء يذكرك بأنك حاضر  

وأن كل خطوة ارتداد إلى نفسك من زاوية أخرى  

حتى لو بدا الطريق هدأة أو شرخ في الهواء  

كأن الريح تحملك إلى ما لم تتوقعه  

وكأن الزمن يفتح لك نافذة أخرى  

وصوت طيور يهمس كأنه يردّ عليك

 

ليس لأنك بلا شقوق  

بل لأن الجرحُ قنديل يضيء هشاشتك  

والارتجاف نارٌ صغيرة يعلن أنك حي  

والهشاشة نافذة على معنى أعمق  

كأن الشرخ نفسه انبعاث جديد  

وكأن الماءَ يتسرّب من داخلك ليعيدك إلى أصل أبعد  

وكأن الحجر الذي تعثرت به يذكرك أن الطريق لا يكتمل إلا بالعثرة  

ورائحة تراب رطبة تلتصق بذاكرتك كختم

 

ها أنت  

انعكاس النور يردك إلى بدايتك الأولى  

فتفهم أن الطرق لم تكن ضياعًا  

بل انتظار يفتح أبواب الاستدعاء  

وأن الانقطاع لم يكن فراغًا  

بل مساحة أخرى للاستحضار  

ومن هذا الاستحضار الذي يكشف وجهه في الظل يتفتّح المعنى بذرة في صدرك  

ينبت حين تجرؤ على الإصغاء بصمت كامل  

ويبقى ظل يبتسم لك من حيث لا تتوقع  

فتعرف أن العودة ليست نهاية ولا بداية  

بل لحظة تتكرر لتدعوك إلى ذاتك مرة أخرى  

ثم تهمس الأرض تحت قدمك باسمك  

رمادٌ يبتسم في الهواء  

خطوةٌ في الفراغ

زر الذهاب إلى الأعلى